content="AHE7pPdG04w2dQd_GvkQMapzoGbQJDVw42uFt1wsmoo" />
أخبار محلية

بعد مرور عام على الحرب … كيف غير العدوان جغرافيا غزة؟

رفح نيوز-وكالات

شهد قطاع غزة تحولًا جذريًا في جغرافيته وبنيته التحتية منذ بدء العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023، خلال عام واحد، تحول هذا الشريط الساحلي الضيق من منطقة مكتظة بالسكان إلى أرض منكوبة مع تحولات عميقة طرأت على جغرافيا غزة، أعادت تشكيل حياة أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون هناك.

دمار غير مسبوق

وفقًا لتحليل أجراه خبراء من مركز CUNY Graduate Center وجامعة ولاية أوريجون، فإن ما يقرب من ثلثي المباني في قطاع غزة تعرّضت للضرر أو الدمار الكامل خلال عام واحد من النزاع.

وتشير شبكة “بي بي سي” إلى أن مدينة غزة، التي كانت تعج بالحياة وتضم أكثر من 775,000 نسمة قبل الحرب، قد تحولت إلى أطلال في معظم أحيائها.

لم تسلم البنية التحتية الحيوية من هذا الدمار الشامل، إذ ذكرت الشبكة أن 17 مستشفى فقط من أصل 36 في غزة لا تزال تعمل جزئيًا.

مستشفى الشفاء، الذي كان أكبر منشأة طبية في غزة، تحول إلى أنقاض بعد عمليتين عسكريتين إسرائيليتين كبريين، ما ترك فجوة هائلة في النظام الصحي المنهك أصلًا.

المدارس والجامعات لم تكن بمنأى عن الدمار أيضًا، إذ تم تدمير العديد من المؤسسات التعليمية أو تحويلها إلى ملاجئ للنازحين، ما يهدد مستقبل التعليم في القطاع لسنوات مقبلة.

ظهور “مدن الخيام”

مع نزوح أكثر من 1.9 مليون شخص داخل القطاع، أي ما يقارب 90% من سكان غزة، ظهرت ما يمكن وصفه بـ”مدن الخيام” في مناطق مختلفة، وتبرز منطقة المواصي كمثال صارخ على هذا التحول.

المواصي، شريط ضيق من الأراضي الزراعية على طول ساحل البحر المتوسط، تحولت من منطقة خضراء هادئة إلى ما يشبه مدينة عشوائية ضخمة.

وفقًا لـ”بي بي سي”، يقدر عدد النازحين في هذه المنطقة بنحو 1.8 مليون شخص، مكدسين في مساحة لا تتجاوز 50 كيلومترًا مربعًا.

وتظهر صور الأقمار الصناعية التي نشرتها “بي بي سي” بوضوح هذا التحول المذهل، ففي مايو 2023، كانت المنطقة تبدو كشريط أخضر مع بعض المباني المتناثرة، أما في سبتمبر 2024، فقد تحولت إلى بحر من الخيام البيضاء، تمتد حتى حافة الشاطئ.

تقسيم القطاع

من أبرز التغييرات الجغرافية التي طرأت على قطاع غزة ما يعرف بـ”محور نتساريم”، الذي أنشأته القوات الإسرائيلية، ويقسم القطاع إلى جزءين: شمالي وجنوبي.

يمتد محور نتساريم من شرق القطاع إلى غربه، مرورًا بموقع مستوطنة نتساريم الإسرائيلية السابقة.

محور نتساريم يفصل شمال قطاع غزة عن جنوبه

هذا التقسيم لم يؤد فقط إلى تقييد حركة السكان بين شمال القطاع وجنوبه، بل أدى أيضًا إلى تغيير جذري في الديناميكيات السكانية والاقتصادية داخل غزة.

أصبح الجزء الشمالي من القطاع، الذي يضم مدينة غزة وشمال غزة، شبه مهجور بعد أن أجبر معظم سكانه على النزوح جنوبًا.

في المقابل، أصبح الجزء الجنوبي، وخاصة مدينة رفح الفلسطينية، مكتظًا بشكل غير مسبوق مع تدفق مئات الآلاف من النازحين.

تدمير الأراضي الزراعية

لم تسلم الأراضي الزراعية من الدمار الشامل الذي لحق بقطاع غزة.

وتشير “بي بي سي” إلى أن الدبابات والمركبات العسكرية الثقيلة حولت مساحات شاسعة من الأراضي الخضراء إلى رمال وأنقاض.

دمار الرقعة الزراعية في قطاع غزة

وفقًا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، فإن أكثر من 70% من الأراضي الزراعية في غزة تضررت بشكل مباشر من العمليات العسكرية، ما يعني أن إعادة تأهيل القطاع الزراعي ستكون من أكبر التحديات التي تواجه غزة في مرحلة ما بعد الحرب.

من أماكن للفرح إلى ملاجئ للنازحين

من المشاهد التي رصدتها “بي بي سي” هو تحول حديقة أصداء سيتي، التي كانت أحد أكبر المتنزهات الترفيهية في غزة، إلى مخيم للنازحين، إذ إن الصور التي نشرتها الصحيفة تظهر تناقضًا صارخًا بين ماضي المكان وحاضره.

قبل الحرب، كانت الحديقة تعج بالزوار، مع عجلة دوارة ملونة وألعاب متنوعة توفر لحظات من الفرح لسكان غزة المحاصرين.

تحول حديقة أصداء سيتي التي كانت أحد أكبر المتنزهات الترفيهية في غزة إلى مخيم للنازحين

أما اليوم، فقد أصبحت الألعاب المهجورة والعجلة الدوارة المتوقفة خلفية حزينة لآلاف الخيام التي نصبها النازحون في محاولة للحصول على مأوى.

هذا التحول لا يمثل فقط تغييرًا في استخدام الأرض، بل يرمز أيضًا إلى التحول العميق في نسيج الحياة اليومية في غزة، حيث تحولت أماكن الترفيه والراحة إلى ملاجئ للبقاء على قيد الحياة.

التلوث البيئي وتراكم الأنقاض

وفقًا لتقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن أكثر من 40 مليون طن من الأنقاض تراكمت نتيجة الدمار في غزة.

هذا الرقم يفوق بـ14 مرة إجمالي الأنقاض الناتجة عن جميع النزاعات بين إسرائيل وغزة منذ عام 2008، ولا يشكل حجم هذه الأنقاض تحديًا لوجستيًا هائلًا فقط، بل يمثل أيضًا خطرًا بيئيًا كبيرًا.

فالكثير من هذه الأنقاض تحتوي على مواد خطرة، بما في ذلك الأسبستوس والمواد الكيميائية الصناعية، ما يهدد بتلويث التربة والمياه الجوفية على المدى الطويل.

يحذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أن إزالة هذه الأنقاض والمخلفات الحربية قد تستغرق 15 عامًا بتكلفة أكثر من 500 مليون دولار، ما يعني أن آثار الدمار ستظل واضحة في المشهد الجغرافي لغزة لسنوات، إن لم يكن لعقود مقبلة.

تدهور أنظمة المياه والصرف الصحي

يصف برنامج الأمم المتحدة للبيئة أنظمة المياه والصرف الصحي في غزة بأنها “معطلة تقريبًا بالكامل”.

هذا الوضع، إلى جانب تراكم النفايات حول المخيمات والملاجئ، يشكل تهديدًا خطيرًا للصحة العامة ويزيد من مخاطر انتشار الأمراض.

قبل الحرب، كانت غزة تعاني أصلًا من أزمة مياه حادة، مع 97% من المياه الجوفية غير صالحة للشرب، أما الآن، ومع تدمير محطات معالجة المياه ومحطات الضخ، أصبح الوضع كارثيًا.

تشير التقارير إلى أن مياه الصرف الصحي غير المعالجة تتدفق الآن مباشرة إلى البحر المتوسط، ما يخلق كارثة بيئية تتجاوز حدود غزة. هذا التلوث لا يهدد فقط الحياة البحرية، بل يقوّض أيضًا إمكانيات استخدام البحر كمصدر للغذاء أو كمورد اقتصادي في المستقبل.

تغير المشهد الساحلي

شواطئ غزة، التي كانت في يوم من الأيام متنفسًا للسكان ووجهة سياحية محتملة، شهدت تحولًا كبيرًا، إذ نشرت “بي بي سي” صورًا تُظهر التباين الصارخ بين شاطئ مدينة غزة في أغسطس 2022 وفي نوفمبر 2023.

في الصورة الأولى، نرى الشاطئ مليئًا بالمصطافين، مع أضواء ساطعة وناطحات سحاب في الخلفية، أما الصورة الثانية فتُظهر الشاطئ وقد تحول إلى منطقة عسكرية، مع مركبات عسكرية إسرائيلية وأكوام من الرمال والأنقاض تغطي الشاطئ.

هذا التحول لا يمثل فقط خسارة لمساحة ترفيهية حيوية لسكان غزة، بل يشير أيضًا إلى تغير عميق في الاستخدام الاستراتيجي للمنطقة الساحلية.

وفقاً لشبكة “بي بي سي”، فإن القوات الإسرائيلية أنشأت منطقة عازلة على طول الساحل، تمتد لعدة كيلومترات داخل القطاع، وهذا الإجراء لم يؤد فقط إلى تقليص المساحة المتاحة للسكان، بل أثر أيضًا بشكل كبير على صناعة الصيد المحلية، التي كانت تشكل مصدر رزق مهم للعديد من العائلات الغزية.

تحول في توزيع السكان

الحرب أدت إلى تغير جذري في خريطة الكثافة السكانية في غزة، فوفقًا لتقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) التي نقلتها شبكة “بي بي سي”، فإن أكثر من 85% من سكان غزة نزحوا من منازلهم، مع تركز غالبيتهم في الجزء الجنوبي من القطاع.

هذا التحول أدى إلى ظهور ما يمكن وصفه بـ”مناطق شبه مهجورة” في شمال القطاع، في حين تحولت مدن مثل رفح الفلسطينية وخان يونس إلى مناطق ذات كثافة سكانية غير مسبوقة.

في رفح الفلسطينية على سبيل المثال، ارتفع عدد السكان من نحو 280,000 نسمة قبل الحرب إلى أكثر من مليون شخص، ما خلق ضغوطًا هائلة على البنية التحتية والخدمات المحدودة أصلًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى